أبو العلاء المعري
أبو العلاء المعري
أبو العلاء المعري ولد في معرة النعمان بالشام، وكانت أسرته من العلماء، فتلقى علوم العربية والحديث والفقه, ودرس العروض وبرع في الشعر والنثر، حتى صار نابغة عصره.
أصيب أبو العلاء المعري بالجدري صغيرا، فأتى على بصره، وترك ندوبا ظاهرة في وجهه، حتى إنه لا يذكر من الألوان غير اللون الأحمر؛ لأنهم ألبسوه في مرضه رداء أحمر, وقد ترك مرض الجدري والعمى أثرا نفسيا سيئا في نفس أبي العلاء، جعله يتبنى مع الوقت فلسفة تشاؤمية، واتهم على أثرها بالانحراف العقدي والفكري وفساد التصور, حتى إن بعض علماء عصره اتهمه بالإلحاد والفسق، وقيل: إن ذلك الاختلاف في نظرة الناس له ما بين التبجيل والبغض، جعلهم يختلفون في نعيه بعد موته.
أطلقت على أبي العلاء ألقاب عدة؛ أبرزها: رهين المحبسين؛ لقوله في بيت شعر:
أنا في الثلاثة من سجوني —– فلا تسال عن الخبر النبيث
لفقدي ناظري ولزوم بيتي — وكون النفس في الجسم الخبيث
وشيخ المعرة أبو العلاء المعري أنتج إبداعا شعريا ونثريا مختلفا عن أبناء عصره من الشعراء والنثار في الفكر واللغة والتصور، وبلغ من إتقانه لفنون الشعر أن كتب: لزوم ما لا يلزم؛ أي كان يلزم نفسه من فنون القافية فوق الروي حروفًا أخرى.
وقد زار أبو العلاء المعري بغداد حاضرة الإسلام في عصره مرتين، والتقى في إحداها الشريف المرتضى, وزاره في بيته، وكان الأخير يبغض المتنبي ويكره شعره، وكان أبو العلاء محبا للمتنبي؛ فكان في مجلسه يردد انتقاداته له؛ فرد عليه أبو العلاء المعري بقوله: لو لم يقل إلا قصيدته التي فيها:
لك يا منازل في القلوب منازل — أقفرت أنت وهن منك أواهل, لكفاه.
فأمر به الشريف فطرد، فسألوه : لم طردته ولم يقل شيئا قبيحًا؛ فقال: والله ما اختار هذه القصيدة إلا أنه يقول في بعض أبياتها:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص —- فهي الشهادة لي بأني كاملُ.
وقد بلغ من تبجيل أهل زمانه له: أنهم كانوا يقبلون شفاعته، وحين حوصرت معرة النعمان خرج من بيته مكرها؛ فاستشفع لأهلها فأجيب إلى ما يحب, وقعد للتدريس في بيته, وقيل: إنه لم يبرح بيته مدة أربعين سنة سوى مرة واحدة، وحين وهم مرة واحدة مات بعدها بقليل؛ لأنه كان سريع الحفظ قوي الذاكرة حادًّا جدًّا.
كان طه حسين لوجه شبه كبير بينه وبين أبي العلاء قد اختاره موضوعا لرسالة الدكتوراه, وسماها تجديد ذكرى أبي العلاء، و للأمانة فهي من أجمل وأكثر الرسائل والكتب المحدثة التي قرأتها تصنيفا وتوصيفا، ولكنى الآن أكاد أعد نفسي غير أهل للحكم عليها بعد تراكم المعارف أمامي, واتساع بحر العلوم.
أعمال أبي العلاء المعري:
- المعراج, أو رسالة الغفران, وهي رحلة نثرية خيالية إلى أرض القيامة والميعاد.
- لزوم ما لا يلزم: وهو ديوان بلغ فيه الحد من البراعة ما لم يصله أحد.
- ديوان سقط الزند: الذي جمع فيه شعره الذي قاله، ويبقى إلى الآن بيته الشهير دليلا ملخصا لحياته:
وإني وإن كنت الأخير زمانه — لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل.