الغزو الثقافي والتطرف الفكري.. علاقة طردية
الغزو الثقافي والتطرف الفكري.. علاقة طردية
الغزو العسكري:
الغزو العسكري منذ انتظام الدول وقيام الممالك قائم ومعروف, وقد تفننت الإمبراطوريات الكبرى والجيوش العسكرية في الخطط والحروب التي تستهدف القضاء على المناوئين أو الممالك المعادية, أو الاحتلال والاستعمار المباشر لممالك ودويلات أضعف.
وقد كان الفعل (غزا) – ولا يزال – مرادفًا لأعمال القتل والنهب والتدمير والهدم, وهو بهذا الشكل يسفر ويوضح – أيًّا كانت التغطيات والحجج – عن العداء الحقيقي للآخر, ويصبح من الجنون أو العمالة اعتبار (الغازي) بذلك الشكل صديقًا أو عونًا.
آخر أشكال الغزو العسكري كانت غزو أمريكا للعراق وأفغانستان بهدف تأمين إمدادات النفط, وبسط النفوذ الاقتصادي والسياسي الأمريكي على العالم, بعد مناوأة نظام صدام حسين وطالبان في كلا الدولتين للمشروع الأمريكي.
والغزو العسكري واضح الدلالة على سرعة التأثير؛ فهو يضرب مباشرة في العمق, لكنه لا يستطيع تغيير ثقافة الشعب أو الدولة المعادية؛ إذ يستحث الغزو العسكري همم الخصم للقتال, مهما كان ضعيفًا؛ فقد فُطر الناس على رفض الاستسلام وحب المقاومة.
ونتيجة لذلك فإن الحروب الحديثة بدأت تطور شكلًا آخر من الغزو وهو الغزو الثقافي, وهو يقوم على بث أفكار وأعمال أدبية وفنية, وتلميع شخصيات تقود الأمة المعادية إلى مرحلة الضعف والانهيار الداخلي أو الحياد على الأقل.
طرق وأساليب الغزو الثقافي:
تتنوع طرق وأساليب الغزو الثقافي بتنوع آليات كل ثقافة؛ مثل: نشر اللغة والقضاء على الأفكار, وطرق التربية التقليدية التي تحث وتشجع على المقاومة, وتربي الشخصية القوية المتينة.
وقد يقوم الغزو الثقافي على بث أفكار, أو أعمال فنية من شأنها تدمير الأخلاق أو تخويف الخصم أو عملقة خصمه؛ بحيث يردعه ذلك عن المقاومة, ويوصله إلى مرحلة الاستسلام.
تاريخ الحرب الثقافية:
مرحلة الحرب الثقافية ظهرت حديثًا مع تطور وسائل الإعلام من راديو وكاسيت وتلفزيون, وصولًا إلى الإنترنت الذي دخل كل بيت, ونادرًا ما تجد شخصًا في العالم الآن لم يطلع أو يشاهد أفلامًا أمريكية أو بريطانية.
أفلام جيمس بوند ظهرت خلال الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة التي بالغت في حجم وقدرات المخابرات الأمريكية, وقد ظهرت فضيحة الغزو الثقافي في الشرق العربي بعد اكتشاف التمويل المخابراتي لمجلتين تبثان أفكار الحداثة والقيم الأمريكية, وتستهدف الوصول إلى الشباب العربي المثقف, وتحويل ولائه الفكري إلى الغرب, وتعجيزه عن مقاومة المشروع الأمريكي في المنطقة, واعتبار الاستعمار خيرًا له.
التطرف الفكري:
التطرف الفكري ظهر نتيجة الضغط الشديد للغزو الثقافي, وفي ظل انتشار ثقافة الهزيمة والجهل والأمية يلجأ الشباب إلى التراث, ويجتزؤون منه فتاوى دون قراءة متأنية للواقع والتاريخ والمنهج الوسطي للإسلام؛ ممَّا يعزز من انتشار التطرف والإرهاب.
حتى إن بعض الأشخاص الذين لا يتمتعون بقدرات عقلية أو ثقافية تؤهلهم لقيادة منظمة للأمة قد يصلون إلى مصافِّ القيادة, ويوصلون الأمة إلى الهلاك؛ لأنهم لا يمتلكون فكرًا وسطيًّا.
الحرب الثقافية تطورت واستهدف العدو زيادة وتيرة الحرب وتمويل متطرفين, حتى أصبحوا خطرًا على شعوبهم وأمتهم, ونشروا الحرب الأهلية, وهم يعتقدون أنهم يقاومون الغزو الثقافي.