الفاعل إعراباً .. وواقع
هناك معلومة مهمة تغيب عن كثير من دارسي اللغة العربية ومدرسيها؛ فالمعلم سيفاجأ يومًا ما بأحد طلابه أو أحد المتحذلقين خارج سور المدرسة يسأله: ما إعراب (الرجل) في جملة (مات الرجل)؟ وطبيعي أن يجيبه بقوله: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة, فيسأله مرة أخرى, وهل هو (أي الرجل) من قام بفعل الموت؟ أليس الله هو الذي بيده الموت والحياة, وهو القائم بفعل الموت على الحقيقة؟ فيسكت ويتحير.
هنا يلزم التأكيد على إفهام المعلم والمتعلم أن الفاعل في اللغة العربية لا يصدق على من قام بالفعل فقط, وإنما على من اتصف به أيضًا. وقد عرف العلماء النحويون الفاعل قديمًا بأنه: “اسم صريح أو مؤول بالصريح, يدل على من قام بالفعل أو اتصف به”, وسيسأل أحد المتحذلقين سؤالا آخر مستنكرًا ذلك: أليسوا يهربون (أي علماء النحو) بالتفلسف والسفسطة؟
الإجابة موجودة: أيها المتحذلقون والمتفيهقون والجالسون للساقطة واللاقطة, نحن لم نضع قواعد للغة العربية على أساسها نُطقَت اللغة العربية أو كُتبَت, ولم يتفنن علماء النحو أو الصرف قبلنا في وضع قواعد لغوية لعصرهم, ولم يسبق العرب الجاهليين ولا عصر النبوة أحد وضع لهم قواعد لهذه اللغة فنطقوها, إنما يغيب عنكم أيها السادة أن قواعد النحو والصرف وُضعَت بمنهج الاستقراء والاستنباط, يعني قرأ العلماء وحققوا ودققوا واستقرؤوا كلام العرب فوجدوا العرب ترفع الفاعل أيًّا كان, وترفع المتصف بالفعل كما ترفع القائم به وإن لم يفعله على الحقيقة؛ فوضعوا القاعدة على هذا الأساس, وذكروا المفهوم السابق للفاعل على ما استقرِئ واستُنبِِط.
والفاعل ورد في سورة البقرة (وما كانوا فاعلين), وفي قول النبي – عليه الصلاة والسلام: (اقتلوا الفاعل والمفعول به)؛ فقد سبقت اللغة الاصطلاح, والعمل على ذلك عند علماء اللغة منذ أبي الأسود الدؤلي وإلى الآن.
والملاحظ لتاريخ اللغة وتاريخ الأمة وتاريخ الأدب فيما مضى من الآثار والكتب والمؤلفات والأشعار يجد كثرة رفع الأسماء وكثافة وجود الفاعل المتكلم, وذلك تبع لإيجابية الأمة ودورها (الفاعل), ففي زمن الصعود يتواجد الفاعل بكثرة ويقل وصف المتكلم بالمفعولية, وتسقط الأفعال على الآخر باعتباره منعدم الحيلة ضعيفًا, أو يتحول إلى فاعل من نوع آخر تلتصق به الأفعال السلبية؛ مثل: (استسلم – انهزم- اندحر – مات – وقع أسيرًا – سلَّم).
وتكثر ضمائر الرفع المنفصلة والضمائر المتصلة المختصة بالرفع, وتقل ضمائر النصب المنفصلة والمتصلة المختصة بالنصب العائدة على العنصر العربي المسلم, والعكس صحيح في أزمنة الهبوط تجد انتشار ظاهرة المفعولية واضحًا وقلة الفاعل, وإلصاق الأفعال السلبية بضمائر المتكلم, ولإلصاق أفعال التآمر والوحشية وغيرها بالمخاطب (الفاعل).
وجنس الرواية والقصة هو القادر على وصف هذه الحالة ومعاينتها, وتعتبر الرواية توثيقًا في زمن الهزيمة للمخاطب (الفاعل) والمتكلم (المفعول به) المستسلم المهزوم المتوجع.. كما كان الشعر ديوان العرب.
قال أبو عمرو بن العلاء:
وإني وإن كنت الأخير زمانه لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل
إذا كان لديك أي سؤال او تجربة لا تتردد بمشاركتنا.
جميع الحقوق محفوظة لجامعة المنح للتعليم الإلكتروني.
إشترك في قائمتنا البريدية