غادة السمان إحدى رائدات الكتابة النسوية في العالم العربي, وهي الكاتبة العربية التي تنافس نجيب محفوظ في حجم الانتشار وغزارة الأعمال واتساع الأفق, وتنتمي غادة السمان إلى التيار الليبرالي الذي ينتمي إليه نجيب محفوظ, إلا أن نجيب محفوظ كان قوميًّا مصريا بالدرجة الأولى, ولم يغادر تراب الوطن حتى وفاته فوق التسعين, أما هي فقد غادرت سوريا هربًا من بطش النظام الحاكم, وتنقلت ما بين بيروت والقاهرة وباريس ولندن وسويسرا, وكان لهذه السفرات – والاقتراب والاحتكاك المباشر مع العالم, وهذا الانفتاح الذي لم يتوفر لكاتبة أخرى – أثر واضح علي كتاباتها؛ فقد ظهر العمق الثقافي والتعدد الفكري في كتابتها, كما أن آراءها الشخصية وفكرها الليبرالي المتفتح كان لهما دور واضح في مسيرتها الأدبية.
ولدت غادة السمان في دمشق عام 1942 لأبوين سوريين, وكان والدها أحمد السمان ذا شخصية أثرت فيها بقية حياتها؛ إذ توفت أمها مبكرًا, وكان والدها يطمح أن تدخل ابنته كليه الطب, لكنها أخلفت ظنه بعد إتمام دراستها بالمدرسة الفرنسية, (الليسيه), والتحقت بالجامعة الأمريكية في بيروت لتدرس الأدب الإنجليزي, ثم حصلت علي الماجيستير في مسرح اللامعقول, ثم توجت ذلك بالدكتوراه من جامعه القاهرة.
كتبت غادة السمان باكورة أعمالها وهي بالمدرسة الثانوية, ثم تتابعت أعمالها القصصية, وصدر لها عام 1962 المجموعة القصصية الأولي (عيناك قدري), وبعد ذلك صدرت لها مجموعة أخرى عام 1963م, هي: لا بحر في بيروت, ثم توالت أعمالها.
.
وقد أثرت بيروت تأثيرًا كبيرًا في شخصيتها وأدبها وآرائها, حتى إنها تنبأت بالحرب الأهلية اللبنانية في إحدى رواياتها (بيروت 75), لتقع الحرب بعد صدور الرواية بأشهر قليلة.
غادة السمان بين الفكر والحياة:
تتصل غادة السمان بصلة قربى بالشاعر السوري نزار قباني, وعاصرت تحولات المجتمع السوري ما بين الاحتلال الفرنسي والاستقلال وتغير الأنظمة, وهاجمت النظام في كتاباتها فاعتقلت لمدة ثلاثة أشهر, ثم خرجت من السجن, لتغادر سوريا دون تصريح, وتظل تتجول بين مدن وعواصم العالم العربي والغربي؛ فقد زارت عدن عاصمة اليمن الجنوبي خلال سيطرة الماركسية عليها, وكان هذا موقفًا متعاطفًا مع اليسار.
ما لبثت أن عادت إلى بيروت وباريس التي استقرت بها عشر سنوات تكتب وتؤلف وتنقد, ومن المفارقات في حياة غادة السمان أنها تزوجت بـ (بشير الداعوق) الرجل المحافظ ابن العائلة العريقة في بيروت, ورغم ذلك استمر الزواج حتى وفاته عام 2007 بمرض السرطان, وكان ذلك غريبًا؛ فهي الليبرالية المنفتحة, وهو المحافظ الراديكالي , وقد أنجبت منه ابنها الوحيد.
برعت غادة السمان في كتابة المقال الصحفي, وأثر عملها الصحفي في كتابتها الأدبية حيث تعددت الرؤى والشخصيات والأبطال, واستخدمت تقنيات مختلفة في السرد, وترجمت أعمالها إلى عشر لغات أجنبية, وكان لحبها الاستقلالية أثر كبير في حياتها العملية؛ فقد أسست دار نشر خاصة باسمها (دار غادة السمان للنشر والتوزيع) لتنشر أعمالها كاملة عن طريقها.
كتبت غادة السمان بالعربية, وتغنت بها وعاشت طوال حياتها تدافع عن الحرية وترفض القمع, قد تختلف معها كثيرًا, ولكنها بالنهاية أثرت وكتبت, واحترمت قلمها فلم تنزلق إلى الإباحية من أجل الرواج, وإنما أسست لأدب عربي تفخر به.