اللغة العربية هي أكثر لغات العالم حظًّا من الهجوم عليها, ليس لكثرة عدد المهاجمين والمتآمرين فقط, ولكن طول صمودها وأصالتها جعلاها تبقى حية رغم شراسة الهجوم وجلد المهاجمين ودأبهم.
اللغة العربية والتوليد:
اللغة العربية تعرضت بخروجها من الجزيرة العربية لخطر التوليد, وهو الذي تبدى وظهر جليًّا عقب التزاوج الذي فرضته ظروف الفتح بين العرب الفاتحين ونساء الشعوب الجديدة في فارس ومصر والشام والعراق والبربر في إفريقيا, وحتى الإسبان في الأندلس والقوقاز والأفغان والهنود, كل ذلك أفرز جيلًا جديدًا يحمل كثيرًا من ملامح آبائه, لكنه خلط الفصاحة باللحن؛ لأنه كان صاحب حظ أيضًا من عجمة الأم.
الخلفاء أنسهم لم ينجوا من تغول الأعاجم؛ فأمهات كثير من الخلفاء كن أعجميات من سبايا الفتح, وحظايا آبائهم اللائي جلبن مع الغنائم إلى القصور والمخادع.
اللغة العربية والأتراك:
اللغة العربية تخطت مرحلة التوليد لتفاجأ بتحول الدولة سياسيًّا إلى الأتراك المسلمين, وهم ليسوا عربا, وكانت النتيجة أن اللغة العربية انتصرت, وكتبت اللغة التركية بحروف عربية, وحدث الأمر نفسه مع الفرس؛ إذ كتبت اللغة الفارسية بالحروف العربية أيضا, وظل مجد اللغة العربية وسلطانها قائمًا؛ فالقرآن يتلى بها على امتداد الأرض التي تنتصب المآذن عليها كالرماح.
اللغة العربية والهجمة الاستعمارية:
اللغة العربية تعرضت لقمة العدوان والتكالب على تراثها في أعقاب الحملات الغربية الفرنسية والإنجليزية على العالم الإسلامي, وتقطعت أوصال المسلمين, وضعفت تدريجيًّا هيمنة جامعاتهم الكبرى التقليدية على الثقافة والأدب والعلم, حتى إن أبناء البعثات التي أرسلت إلى البلاد الفرنجية تنصلوا من تاريخهم ولغتهم وتراثهم, وبدؤوا يحملون عن المستعمر عبء الهجوم على اللغة والتراث؛ فانتشرت الثقافات والأفكار الغربية الاستعمارية, وتسربت القيم على يد هؤلاء العرب والمسلمين, حتى بلغ الأمر بهم بالمناداة بكتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية في أعقاب نجاح أتاتورك في إلغاء الخلافة, وجعل الحروف اللاتينية مكان الحروف العربية عند كتابة اللغة التركية.
وصعد المثقفون العرب من هجماتهم حتى نادوا بتعديل كتابة المصحف بدلًا من الرسم العثماني, وتخطت افتعالاتهم وحججهم الحدود, وبلغت حدَّ العجائب, حتى وصلوا إلى مرحلة استنفار طاقات الأجيال الجديدة للحط من اللغة العربية وضربها؛ فظهر الاستهزاء بها في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية وبالخط العربي, حتى نزلت هيبتها في النفوس إلى الحضيض, وأصبح من يتكلم بها متخلفًا وأحمق وأبله.
وقد لعبت المطربة الراحلة ليلى مراد, والممثل نجيب الريحاني دورًا كبيرًا في الاستهزاء بمعلم اللغة العربية, كان له أثر يمتد حتى الآن في الحط من شأنه.
أحمد العشري واللغة العربية:
الكثير من أبناء العربية المخلصين قادوا حملات مضادة لهذه الهجمات, وذادوا عن اللغة العربية؛ فبقيت حية في نفوس الكثيرين من هؤلاء في أيامنا هذه.
المحاضر الشاب أحمد العشري الجمل الذي يرفع دائمًا شعار "معًا نعيد اللغة العربية للحياة" عمل مدققًا لغويًّا ومعلمًا للغة العربية للأجانب, وأخيرًا محاضرًا في مركز النيل التركي وساقية الصاوي, وتتلمذ على يديه حتى الآن الكثير والكثير من أبناء العروبة في مصر, والمقيمين بها من العرب, والشباب الغيورين على اللغة العربية.
لا تنسى الاشتراك في القائمة البريدية لجامعة المنح كي تبقى على اطلاع بكل جديد .