حق المتهم إذا مسه شيء من الضرر الجسدي في حال عدم إدانته سواء كان الضرر حقيراً أم جسيماً
حق المتهم في المطالبة بالتعويض جراء ما لحق به من ضرر جسدي
بحكم خضوع المتهم للاستجواب والمسائلة حيال التأكد من صحة الاتهام الموجه له، فقد يتعرض المتهم لشيء من الأذى الجسدي أو الضرب والجلد والإهانة، أو الإصابة الجسدية التي قد تؤدي لجرح، أو كسر، أو تشويه، أو قطع عضو أو تلفه أو حتى زهوق النفس، وإن كنا هنا لسنا في مقام بيان حكم مس المتهم بشيء من العذاب وضوابط هذا، وإنما لتقرير حق المتهم إذا مسه شيء من الضرر الجسدي في حال عدم إدانته سواء كان الضرر حقيراً أم جسيماً.
والذي يؤيده الدليل الشراعي من النص والقياس والدليل العقلي أن للمتهم الغير مدان في حال لحوقه ضرر جسدي الحق في المطالبة بالتعويض عما لحقه.
فأما النص: فما رواه أبو داود والنسائي عن أزهر بن عبد الله: أن قوما سرق لهم متاع فاتهموا أناساً من الحاكة، فأتوا النعمان بن بشير صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبسهم أياما ثم خلى سبيلهم، فأتوا النعمان فقالوا: خليت سبيلهم بغير ضرب ولا امتحان، فقال: ما شئتم إن شئتم ضربتهم فإن خرج متاعكم فذاك وإلا أخذت من ظهوركم مثله، فقالوا: هذا حكمك؟ فقال: هذا حكم الله وحكم رسوله.
ووجه الدلالة: أن النعمان بن بشير – رضي الله عنه – عندما طلبه المدعون وأراد النزول عل رأيهم اشترط عليهم في حال عدم ثبوت الدعوى أن يوقع بهم نفس ما أوقعه بالمدعى عليهم من الضرب والامتحان، لأن هذا مقتضى العدل.
أما القياس: فإن الأصل أن من تسبب في إلحاق الضرر المعنوي بالمتهم ولم تثبت إدانته، فإنه يقتص له من المتهم ويعوض عن ذلك بالتعويض المادي والمعنوي برد اعتباره.
وما دام أن إلحاق الضرر الجسدي بالمتهم البريء يعد موازياً للضرر المعنوي إن لم يكن أعظم منه فلذلك يشتركان في الحكم في وجوب تعويض المتهم في حال عدم إدانته.
أما البرهان العقلي: فإن تعويض المتهم البريء عما لحقه من ضرر جسدي جابر لهذا الضرر، كما أن معاقبة المدعي الكاذب جزاء له عما ارتكبه من فعل شنيع ورادع له عن تكرار ذلك، ولو كان ذلك بالاقتصاص منه بإلحاق نفس الضرر الجسدي اللاحق بالمتهم البريء، فإن الاقتصاص محصل لشفاء النفوس وبه إزالة للألم الذي عانى منه المتهم.
وللمتهم عند المطالبة بالتعويض طلب الأرش فإن لم يكن ذلك فيطالب بالحكومة، بل لو تعرض المتهم لزهوق نفسه بسبب الاتهام، أو أراد الفرار من السجن نتيجة ما يلاقيه من أضرار جسدية تلحق به بسبب التهمة فمات خلال عملية الهروب فإن لورثة المتهم حق المطالبة لمن اتهمه بدية مورثهم.