عبد الرحمن الداخل (صقر قريش)
عبد الرحمن الداخل (صقر قريش)
نجاة عبد الرحمن الداخل من العباسيين:
صقر قريش أو عبد الرحمن الداخل أو الشيطان, ألقاب اشتهر بها عبد الرحمن بن معاوية عن استحقاق؛ فقد كان شابا قوي النفس شجاعا داهية ماكرا, تعلم كثيرا من سيرة جده معاوية؛ فلم يأمن الناس, وكانت أبرز المواقف التي عرف فيها ذلك بعد انهيار دولة بني أمية وهروبه مع أخيه الأصغر من دمشق أمام سيوف العباسيين؛ فقفزا في النهر, وسبحا إلى الجانب الآخر, ولما كانا في النهر ناداهما العباسيون: أنكما آمنان؛ فلم يرضَ عبد الرحمن بالرجوع, وعلم أنهم سيقتلونهما, ولكن أخاه طمع في الأمان بعدما أرهقه التعب, وعاد إليهم وسبح عبد الرحمن حتى شاطئ النهر, وجعل ينظر إلى العباسيين, الذين قتلوا أخاه امام عينه, وهنا استمر مسلسل فراره أمام العباسيين, الذين ظلوا يبحثون عنه في كل مكان, وكانت عصبية الأمويين قائمة في الأندلس؛ ففر من المغرب إليها.
الأمير عبد الرحمن الداخل في الأندلس:
في الأندلس استقبله أهلها, وبايعوه أميرا عليهم, ورفضوا بيعة بني العباس, وكانوا في منعة من البحر والعصبية, ثم لم يلبث أبو جعفر المنصور أن أرسل إليه رجلا يسمى علاء بن المغيث, وجعل له ولاية الأندلس إن قضى على عبد الرحمن بن معاوية الداخل, وبالفعل نجح ذلك الرجل في تجميع الناس ضد الداخل, حتى لم يعد معه سوى بضع مئات من أصحابه؛ فحوصروا في قلعة, وهنا أمرهم عبد الرحمن الداخل أن يضعوا سيوفهم في النار ويخرجوا خروج من لا تحدثه نفسه بالحياة, ونجحت الخطة, وقتل علاء بن المغيث, واستمر الأمر حتى استقرت الأندلس تحت ملكه, وظل يحكمها حتى مات, وملكها من بعده ولده, وحين قتل ابن المغيث قطع رأسه وحشاها ملحا, وجعل معها عهد أبي جعفر المنصور إليه, وأوعز إلى رجل من أهل الأندلس أن يرميها في طريق المنصور خلال مناسك الحج؛ فلما رآها المنصور قال قولته الشهيرة: "الحمد لله الذي جعل بيني وبين هذا الشيطان بحرا".
شخصية عبد الرحمن الداخل:
كانت شخصية عبد الرحمن الداخل مؤهلة للقيادة؛ فقد كان ابن ملك؛ تعلم الأدب والشعر والفروسية والقرآن والسنة, وكان ملتزما بأحكام الدين, سمحا كريما مهيبا؛ مما أكسبه الهيبة والاحترام في نفوس من بايعوه.
صفة أخرى لازمت عبد الرحمن الداخل, وهي علو الهمة فقد كان يؤثر الآجلة على العاجلة, وحين كان في طريقه إلى الأندلس استخفى في المغرب عند بعض عصبيته؛ فعرضوا عليه جارية جميلة رائعة باهرة الجمال؛ فصعد البصر فيها وصوبه, ثم قال "إن هذه من العين والقلب بمكان, ولكني إن انشغلت بهمتي عنها ظلمتها, وإن انشغلت بها ظلمت همي".
وتبرز ملامح شخصية عبد الرحمن الداخل أكثر, حين ترى إصراره على بقائه أميرا؛ فيهرب آلاف الكيلو مترات, ويتخطى حاجز الخوف؛ ليناوئ دولة في حجم بني العباس في أوج قوتها, وذروة قواها العصبية التي كانت تحصد المعارضين والمؤيدين كالسبع الضاري.
استقرت الأندلس في عهد عبد الرحمن الداخل, واستمر استقرارها فترة من الزمن في عهد بنيه حتى ضعف شأن دولتهم, وتعرضت للشيخوخة كما يشيخ الإنسان, وسوف نفرد مقالا للحديث عن دولة الأمويين في الأندلس وأسباب سقوطها, هذا والجدير بالذكر أن العلماء يجيزون قيام خلافتين في الأرض إذا اتسعت؛ قياسا على ما مر من شأن عبد الرحمن الداخل في الأندلس في ظل وجود خلافة بني العباس؛ فهل علمت صقرا كصقر قريش عبد الرحمن الداخل.