فوضى الجمع بين أكثر من نظام تعليمي
نظام تعليمي واحد يكفى دولة واحدة , ينطلق من مبادئها وأسسها التربوية, يستهدف غاياتها وأهدافها العليا, نظام تعليمي وأحد يجعل الدولة من القوة بالشكل الكافي, الذى يؤهلها للمنافسة في مضمار البحث العلمي والاقتصاد الصاعد.
النظام التعليمي هو المسؤول عن تربية النشء, وإيصال رسالة الأمة إلى أبنائها وأجيالها المتعاقبة؛ فلا يعد إذًا نظامًا جادًّا ذلك النظام الذي يتلاعب بتلك الأسس وهذه المتعلقات.
النظام التعليمي جدير بالاحترام إذا كان واحدًا في كل شيء, في إستراتيجيته وقوانينه, وحتى في بيروقراطيته.. اليابان تحذو هذا الحذو, وتنتهج هذا النهج؛ فالأمة اليابانية تخرج كل عام من مدارسها وجامعاتها يابانيين بالأخلاق نفسها, هذا كان وراءه نتائج مذهلة؛ فما هي:
• توحيد النظام التعليمي في دينامية الدولة؛ فالأفراد كلهم نُشئوا تنشئة واحدة؛ فلا يحدث خلط بين الرؤى ولا الأهداف.
• توحيد نظام التعليم يحد من الازدواجية الثقافية والانفصام الشعبي, الذي تعانيه مصر الآن؛ فإن ازدواجية الثقافة تخلق صراعًا فكريًّا, وهو في الغالب يؤدي إلى صراع دموي, في بلد يفتقر إلى مقومات المعيشة والرفاهية.
• توحيد نظام التعليم – كما هو معلوم – يسرع بتوطيد النمو الاقتصادي؛ فإن الدولة التي تضع نظامًا تعليميًّا موحدًا, وتشرف عليه بصرامة, تخرج إلى شركاتها ومصانعها الكوادر المطلوبة, ولا حاجة لنقول: إن كثيرًا من الدراسات والشهادات والمؤهلات لا يحتاجها سوق العمل؛ فإنها تصب في النهاية في صندوق البطالة والإرهاب والمخدرات والفساد الاجتماعي, ومن أخطر مساوئ الجمع بين أكثر من نظام تعليمي التخبط في القرارات؛ نتيجة قوة التضارب في القرارات والرؤى؛ فغالبًا لا يجمع أصحاب المرجعيات الدراسية المختلفة على إستراتيجية عامة, دائمًا يغلبون مصالحهم ورؤاهم على حسب ما يهوون, والدليل على ذلك نظام التعليم نفسه؛ إذ يغير كل وزير من سياسة الوزارة وإستراتيجياتها, حتى إن المدارس في مصر أصبحت تشبه مختبرًا, والطلاب والمعلمون هم مادة هذا الاختبار.
ومن أخطر مساوئ الجمع بين أكثر من نظام تعليمي هو عجز النخبة التي تحكم, والنخبة التي تشرف عن إيجاد آلية للتعامل مع فئات وطبقات المجتمع سوى سياسة فرق تسد؛ مما يصعق المجتمع من الداخل, وينشر فيه الفساد, وقيم الرجعية والتزمت والتسلط؛ فلا تسود فيه ثقافة الانفتاح إلا في إطار مجتمع ذي سياسة واضحة وصريحة وشفافية عالية.
إن القرار الذي يصدره المسؤول في دولة تنتهج نظامًا تعليميًّا واحدًا؛ ولا تستورد أفكارًا ومثلًا وقيمًا بعيدة عن المجتمع وثقافته الأصلية يسري بمنتهى البساطة كالسكين في الزبد, فلا توجد أدمغة أو عقول أو نفوس تختلق أو تزايد أو تصدر القرار, ما دام لا يتعارض مع متطلبات العقل والوعي الجمعي, الذي وضعت على أساسه الإستراتيجية العامة للتعليم.
في حالة السلم تتجه البلاد عادة إلى رافع وتيرة النمو الاقتصادي, والسنوات تمر والوقت كالسيف, ولا يجدي نفعًا سوى الإسراع بوتيرة العمل الذي تعوقه القرارات المتضاربة, وحينما تأتي سنوات الحرب, ينشأ بسبب استيراد نظم تعليمية الضعف والجبن والخذلان, والطابور الخامس الذي خلق فوضى المجتمع بين أكثر من نظام تعليمي.
جميع الحقوق محفوظة لجامعة المنح للتعليم الإلكتروني.