كاتب من الشرق الأوسط
كاتب من الشرق الأوسط
هذه قصة حقيقية وقعت لي فعلا وتجربة شخصية مررت بها، وليست مزحة، أنا أعرف التفاصيل لأن الأمر يعود لي، في أحد أيام صيف 2014م، وكنت أتابع إحدى قنوات الأفلام الأمريكية لاحظت أن الفيلم تدور أحداثه حول موظف يمارس هواية الكتابة, ونجح في تأليف كتاب عن والد زوجته، كان فقد هذا الكاتب وظيفته بشكل ظالم ومجحف، هو طبعا اختار العمل في أي شئ ولو كان الحفر في الأرض حتى تتورم يداه؛ ليوفر لعائلته (المكونة من طفلة وزوجة) سبل المعيشة مؤقتًا, حتى يحصل على وظيفة أخرى.
شجعته زوجته على إتمام الكتاب، وأرسلا نسخًا منه إلى وسطاء النشر في أنحاء الولايات المتحدة, ليتولى أحدهم مسؤولية تسويق كتابه لدى الناشرين، تلقى الرجل يوميًّا وبعد عودته من عمله المجهد خطابات رفض من قبل وسطاء النشر, حتى تخطى عدد خطابات الرفض العشرين خطابًا.
وكان طبيعيا أن يشعر الرجل بالإحباط والاكتئاب، وهدأته زوجته ومنحته الأمل؛ إذ هناك وسطاء آخرون ربما يوافقون على توقيع عقد معه، وبينما يعمل مع زميله فاجأته زوجته وذهبت إليه بالسيارة مسرعة، وقالت له: إن إحدى العاملات كوسيط للنشر معجبة بكتابه وتأثرت به، وترغب في توقيع عقد معه، استقبلها في المطار واستضافها في بيته, ووقعت معه العقد وأعلمته بخطة العمل، ثم ذهبت.
بعد أيام جاءته زوجته مسرعة بالسيارة إلى موقع العمل ذاته، وكانت السيدة الوسيط على الهاتف: سيد فلان أنا حصلت لك على عرض من أحد الناشرين بـ350 ألف دولار، ذهل الرجل فأشارت إليه زوجته بالموافقة، فوافق على الفور، ذهب إلى الناشر ووقَّع العقد, واشتهر وسمع به الأمريكيون في جميع أنحاء أمريكا، وأصبح كاتبًا لامعًا، واستضافه لاري كينج في برنامجه المشهور.
ما حدث بعد ذلك لا يهمني هنا.. إنما الشاهد في الأمر هو قصة محاولات النشر والرفض المتكرر وحصوله أخيرًا على عرض، هذا ليس متوفرًا هنا في الشرق الأوسط، لا يوجد وسطاء نشر عند العرب، الكتاب قليلون والقراء أيضا قليلون، يعيش النشر في الوطن العربي أزمة حقيقية, وخصومة مع الكتاب الإليكتروني الذي أصبح أكثر رواجًا في الغرب من الكتاب الورقي.
لماذا شدتني هذه القصة، وأصبحت مولعا بها؟
أنا كاتب مغمور، كنت قد عملت في إحدى شركات النشر الورقي في عاصمة مصر القاهرة، ودرست مبادئ التسويق الإليكتروني, وأعرف شركة أمازون جيدًا، كنت أطمح إلى دراسة الإنجليزية، وكان لدي كتب ورقية منشورة؛ منها كتاب عن الرئيس الأمريكي إف دي روزفلت، لكن خلال بحثي على موقع أمازون؛ حيث كنت أتمرن على طرق البيع، وجدت إضافة أخرى جديدة إلى أمازون تتعلق بالنشر الشخصي في موقعين ملحقين أحدهما هو Createspace للنشر الورقي، وKDP للنشر الإليكتروني.
هذا مبهج، لكنني كنت أتعلم فقط، أعددت كتابين لا يزيد الواحد منهما على خمسة آلاف كلمة ونشرتهما على الموقعين، لكن لم أبع نسخة واحدة، هذا ليس محبطًا لي، ولكنني أدركت شيئًا كان معروفا لدي ولكنه تأكد، وهو أن عدد الكتب المليوني الورقية والإليكترونية على أمازون يوحي بأن عدد القراء أيضا بالملايين، هذا شجعني على البحث عن مواقع شركات النشر وطرق التوزيع في العالم الناطق بالإنجليزية، وحفزني ذلك على المضي قدمًا في التخطيط لفكرتي القديمة عن دار نشر على الإنترنت, يكون مقرها قريتي.
كان البحث مبهجًا والأمل يحيرني، وحين شاهدت الفيلم صاحب القصة التي عرضتها في بداية المقال، عرفت طريقا آخر مختصرًا لشركات النشر، وهو وسطاء النشر، فبحثت عبر صديقنا جوجل عن Publishing Agents ، ونجحت في جمع أكثر من خمسمائة بريد إليكتروني لوسطاء، وعرفت عن طريق البحث كيف أكتب query letter، وأن الوسطاء لا يحبون إرسال النصوص في البداية، إلا بعد الموافقة، وبالتالي فإن خطاب الاستبيان query letter يتوقف عليه جزء كبير من الموافقة أو عدمها، وراسلت وسطاء النشر أصحاب القائمة التي لدي جميعا.
خلال ثمانية أسابيع تلقيت أكثر من سبعين ردًّا بالرفض من الناشرين، كانت الأسباب أحيانًا واضحة, وأحيانًا أخرى غير واضحة، لم أيأس، تواصلت عبر لينكدإن مع كتاب وناشرين ووسطاء نشر آخرين, قدموا لي النصائح بشكل رائع، لم يضلوني وإنما شجعوني، هذه الردود – رغم الرفض بسب قصر الكتاب, وضعف مستوى الترجمة – جعلتني أكون فكرة إيجابية عن الشعب الأمريكي, وحبه للمواهب والموهوبين؛ فقد لخصوا الأمر بأن المشكلة ليست في الموهبة، وأن الفكرة جيدة، قالت لي إحدى السيدات العاملات في المجال: إن فكرة الكتاب ترقى – إذا أصبحت من أربعين ألف كلمة – إلى نيل جائزة، اعمل عليها.
لم أتلقّ ردودًا من الجميع، من جاء منهم الرد كان بالرفض، لكنه كما يقول المثل: ليس هناك جهد ضائع؛ فإنني نجحت في تكوين قائمة من خمسمائة وسيط نشر, ستفيدني في المستقبل عند تقديم كتاب يكون طوله مناسبًا، ولغته الإنجليزية أفضل وأرقى.
هناك أمر آخر، لقد كونت عبر حسابي على تويتر الذي أدون عليه بالإنجليزية أكثر من أربعة آلاف علاقة مع كتاب, وقراء, وناشرين, ووسطاء في الولايات المتحدة, وبريطانيا, وكندا, وأستراليا، وهي الدول نفسها التي تكون قائمة وسطاء النشر الخاصة بي.
على لينكدإن كوَّنت أكثر من خمسمائة اتصال مع العاملين في قطاع النشر (يقتربون الآن من ألفين)، والكُتَّاب، ووسطاء النشر أيضًا، هذه العلاقات المتميزة أعلم علم اليقين أنها ستمنحني دافعًا للنجاح في مشروعي عن منصة بيع الكتب الورقية والإليكترونية, التي أخطط لإطلاقها خلال ثلاث سنوات على الإنترنت.
أنا تعلمت الكثير ممَّا كتب على الإنترنت باللغة العربية والإنجليزية حول النشر الورقي والإليكتروني, والسياسات الخاصة به في الشرق الأوسط والغرب وحتى الهند، ونشرت كتابًا بالعربية حول شخصية ساخرة وحقق بعض المبيعات.
أنا أطمح لتعلم المزيد وتحقيق طفرة، والاستفادة من تكنولوجيا الغرب والإنترنت في توفير مساحة لذلك، حاولت أيضًا بيع الكتب عبرeBay لكن الدفع عبر PayPal لم يكن متاحًا في مصر، فهناك مشكلات وعوائق ثقافية واقتصادية واجتماعية تحول دون تقدم التجارة الإليكترونية والكتاب الإليكتروني, تحديدًا في منطقة الشرق الأوسط، لدينا محاولات وتجارب رائدة, لكنها لا تكفي للتعبير عن واقع ملموس, أو شأن عام, أو توجه كبير للناشرين العرب, أو القراء العرب باتجاه استغلال الإنترنت بما يكفي لبث الثقافة, وتداول الكتاب عبره.
أعمل الآن كاتبا محترفا للمقالات والمحتوى عبر كثير من المواقع في منطقة الشرق الأوسط، أشعر بالرضا المبدئي عمَّا أكتبه لكنني أطمح للمزيد.
لا تنسى الاشتراك في القائمة البريدية لجامعة المنح كي تبقى على إطلاع دائم بجديد موقعنا .