كتاب النيل .. حياة نهر
كتاب (النيل … حياة نهر)
النيل هو أكثر أنهار العالم ثراء من الناحية الحضارية, وأشهر الأنهار التي عانقت الحضارة واحتضنتها, وقد نسب هيرودوت المؤرخ اليوناني القديم الحضارة الفرعونية إليه؛ فقال: مصر هبة النيل, وهو يقصد هنا الإنجازات الحضارية والمباني الشاهقة, والعلوم التي اكتسبها شعب مصر من جراء استقراره في هذا المكان الرائع, الذي تحفه الصحراء القاحلة من كل مكان, وهو نهر معكوس يسير من الجنوب إلى الشمال, بعكس أنهار الدنيا التي تسير من الشمال إلى الجنوب.
وقد ساهم النهر في تشكيل عقيدة الفراعنة الوثنية, حين نسبوا إليه كل خير, وتقربوا إليه بالقربان الشهير (إلقاء فتاة جميلة فيه حتى يفيض), وسموه الإله حابي رمز الخير والخصب والحياة, ونهر النيل هو صاحب الفضل في تكوين البيئة الزراعية في مصر.
إميل لودفيج الرحالة الألماني الشهير تقصى النهر, وما يحيط به, وما يتفاعل معه من شعوب وثقافات وحضارات, وعزز كتابه بالصور والمشاهدات المباشرة لأوضاع الشعوب الإفريقية المطلة عليه, من المنابع حتى المصب؛ فتراه يتحدث عن جمال القمر, وعن اعتقادات هؤلاء البشر البدائيين في الأديان, وتصوراتهم حول الحرية والحياة والجنس والحكمة.
إن كتاب النيل للودفيج يؤكد بحثا استعماريا نشطا لمستقبل الاستثمارات, والأطماع المبطنة من لدن البريطانيين والفرنسيين والشعوب الأوربية في المنطقة؛ فأنا لست من السذاجة حتى أتصور كتابا كهذا, يكتبه رحالة بهذا الوصف, الذي بذل فيه المجهود المذهل في هذا الوقت المبكر من القرن العشرين, حين كانت أفضل وسيلة للتنقل في قارب بدائي, أو سيرًا على الأقدام.
أعتقد أن إميل لودفيج كان أكثر حرصًا على مستقبل أمته من مستقبل هذا النهر والشعوب المطلة عليه؛ فقد كان الرجل يرسم إطارا لجغرافيا سكانية، وأنثروبولوجيا, أدنى ما يقال فيها: إنها حرب مخابرات متقدمة وقذرة, وجاء الكاتب باحثا عبر رحلته ليصل إلى مصر, التي وصف فيها المصريين بقوله: والمصري أشد تمسكًا بإسلامه من أكثر الإنجليز تعصبا للنصرانية, ويسرد دعوة الفلاحين مهندسا إنجليزيا إلى (صلاة شكر) في المسجد عقب مساعدته لهم في صد فيضان النهر, الذي كاد يبدد أرض القرية.
يرسم إميل لودفيج مشهدا سينمائيا لدخول نهر النيل مصر, حين يقول:
"إنه يمشى وئيدا وجليلا وعريضا أكثر مما في الخرطوم, إنه يدخل مصر".
إن الرحالة إميل لودفيج وصف النيل وصفا مذهلا, وسرد بأسلوبه النهر وثقافاته في خلودها وبقائها, وفي تنوعها وقوتها, وقد يصف البعض رأيي فيه بالعنصرية, أو السذاجة الفكرية, ولكنني لا أتصور رجلا يأتي من شمال أوربا, ويعايش ظروفا قاسية عبر آلاف الكيلو مترات, والشعوب, والقبائل البدائية, والبعوض والملاريا, والحيوانات المفترسة, والشمس المحرقة من أجل رفاهية فكرية, لا أطعن في شرف الرجل بقدر ما أؤكد ولاءه للغاية من الهدف, الذي جاء من أجله.
نحن ما وصلنا إلى هذه المرحلة من حرب المياه مع مصر, إذا لم يكن وراءها بنوك معلومات من سنوات مبكرة غذتها معارف أقربها الى الواقع كتاب إميل لودفيج (النيل حياة نهر).
لا تنسى الاشتراك في القائمة البريدية للموقع كي تبقى على اطلاع دائم .