كيف تخلف التعليم في مصر؟
نظام التعليم في مصر نظام بدا غريبا جداً، ومعاكساً لكل النظم التعليمية في العالم؛ ففي أعقاب تولي محمد على باشا حكم مصر، واستئثاره بالسلطة أراد أن ينهض بالبلاد حسب آراء مؤيديه، فواجهته مشكلة كبيرة، ألا وهي نقص الكوادر اللازمة لبناء نهضته الحديثة، ومنها المعلمون، وكان عليه تبعًا لوجهة نظره أن يبني المدارس العليا أولا؛ أي أنه سيطبق نظرية الهرم المقلوب, ولكن من يا ترى سيدخل المدارس العليا مباشرة دون المرور بالمراحل الثلاث ، الابتدائية ثم الإعدادية ثم الثانوية، وهداه تفكيره إلى الأزهر، فاستوعب من طلبة الأزهر المتفوقين عدد مدارس المهندسخانه والطب وغيرها، ليبني جيشا ضباطه متعلمون ومتسلحون بالعلم، وناجحون إداريا.
كانت تلك أولى المشكلات التي ظلت متجذرة إلى الآن وهي ازدواجية التعليم، تعليم أزهري وتعليم عام، ثم بنى بعد ذلك المدارس الثانوية ثم الإعدادية أو التجهيزية ثم المبتديان, وكان النظام القديم قائما على الكتاتيب التي ظلت موجودة حتى القرن العشرين في ريف مصر.
والحق أن نظام التعليم الذي أقامه محمد علي نجح في تدشين نهضة مؤقتة, وجيش وطني قوى حقق انتصارات على نطاق واسع، كما خرج هذا النظام التعليمي أن حصدت ناره، ووقعت مصر تحت الاحتلال البريطاني، الذي كان له أثر كبير في ازدواجية التعليم على صعيد آخر، وهي: تعليم أهلي وتعليم أجنبي، وقد افتتحت في عهد الاحتلال المدارس التابعة للجاليات الأجنبية, والتحق بها مصريون فيما بعد بشكل ساهم في تشتيت المجتمع المصري, وتقطيع أواصر القرب الثقافية بين الطبقات على الأقل في أعقاب انتهاء حكم أسرة محمد علي.
بقيام ثورة 52 أقرت حكومة الضباط الأحرار مجانية التعليم كأساس نهضة الدولة، وقد خرجت فعلا عدد لا بأس به من المهندسين والمتعلمين من أبناء الطبقة الدنيا, التي لم تكن قادرة على التعلم في عهد الملكية الأرستقراطية، وكان هذا العدد وراء الانتصار في حرب العبور العظيم عام 1973م.
سرعان ما ازدحمت المكاتب الحكومية والمصالح بالمواطنين, واكتظت الشوارع والمقاهي بالخريجين, وارتفع معدل البطالة فشكل ضغطا كبيرا على نظام مبارك قبل ثورة 25 يناير 2011م, وكان وقود الثورة أولئك الشباب الذين أبرزوا عيوب خطيرة في نظام التعليم, أهمها عدم مواكبته للتطور التكنولوجي، وغياب الرؤية والإستراتيجية، وضعف أداء المعلمين, وتقلص الإمكانات, وتفشي ظاهرة الدروس الخصوصية، كما واجهت أكبر ضربة للنظام التعليمي وفق معطيات كثيرة بسبب تجريم العقاب البدني كليا في المدارس؛ مما أثر على هيبة المعلم، وجعله صورة لا جوهر، فاحتقره الطلاب، وتدنى مستوى النظام ككل, وتفشى الغش، وضعفت الإمكانيات عن الخضوع للامتحانات الإليكترونية.
وقد ظهر المستوى الحقيقي بعد نتيجة الثانوية الأزهرية 2015، بعد إجراءات مشددة من شيخ الأزهر ورئيس قطاع المعاهد، فبرزت عورات الفشل الدراسي, التي أقرت رسوب ما يزيد على ثلثي الطلاب, ونجاح 28% من الطلاب، فأين يذهب نظام التعليم في مصر؟