ما هو وضع الحركة الشعرية بعد الفترة الملكية ؟
ما هو وضع الحركة الشعرية بعد الفترة الملكية ؟
الملكية في مصر انتهت بإعلان الجمهورية عام 1953, وتولي محمد نجيب رئاسة مصر, وابتدأ عهد جديد, ونظام اجتماعي جديد, صاغه الضباط الذين تولوا السلطة, وليس عبدالناصر وحده هو الذى قاد كل تلك التغيرات, وقد خاضت مصر بعد قيام الجمهورية ثلاث حروب, ثم حظيت بانتصار كبير في العاشر من رمضان عام 1973م.
كرست الإصلاحات الاجتماعية من وجهة نظر عبدالناصر ورفاقه؛ لتحرير الفلاح والعامل من سيطرة الأجانب والإقطاعيين على المال والنفوذ, ووضعت حدا لما كان معروفا بدونية المصريين ورقي الأقليات الحاكمة.
أبرز ما يميز العهد الجمهوري هو تراجع حرية الرأي, وإلغاء الدستور وتحويله فيما بعد إلى شكليات, وإلغاء الأحزاب, أو تحويلها إلى أحزاب كارتونية تعطي للنظام ولا تأخذ منه.
الحركة الشعرية نشطت جدا قبل العهد الجمهوري, وظهر التجديد في الشعر, وتنوعت مدارس الأدب والشعر وكتب القصص لأول مرة, وكانت هناك مجلات متخصصة في الشعر, ساعدت على رقيه وانتشار الشعراء أصحاب المواهب من مصر وخارج مصر.
في فترة الملكية كانت الصالونات الأدبية تقام دون مشكلات حقيقية مع السلطة, وتنتشر المجادلات والمناظرات بين الكلاسيكيين وأصحاب الشعر الرومانسي (مدرسة الديوان), وظهرت قامات شعرية كبيرة؛ حتى بويع أحمد شوقي أميرا للشعراء, ولقب حافظ إبراهيم بشاعر النيل, واستوى الشعر قويا في المهجر, بعدما نبغ فيه إيليا أبو ماضي وجبران خليل جبران, ووصل شعراء المهجر إلى مصر عقب قيام ونشاط حركات التحرر والثورات في العالم.
انتشرت الشيوعية, وظهر مصطلح المعادل الموضوعي, وكتب شعر التفعيلة والشعر المرسل وقصيدة النثر, وهنا برز على الساحة جيل جديد مختلف كثيرا في الفكر والتصور والأسلوب, وطرق معالجة الشعر والكتابة الشعرية, صلاح عبدالصبور كتب في قصيدة له:
"وشربت شايا في الطريق"
وتحدى محمد عفيفي مطر الذوق الشعري السائد والقائم على الوضوح, وتخطى مرحلة الوحدة الموضوعية؛ ليقدم صورا جديدة وأساليب مبتكرة, كما أن أمل دنقل قدم من الصعيد وأصبح علامة بارزة في الشعر الحديث؛ حيث كتب عن زرقاء اليمامة, وتفاعل مباشرة مع اتفاقية كامب ديفيد, وكتب "لا تصالح".
اتهم الدكتور زكى نجيب محمود الحركة الشعرية الجديدة عقب الملكية بالتطرف الفكري, ونعتهم بــ "القرامزة" في إشارة إلى كونهم ينتمون الى الفكر الشيوعي.
ولما كان التيار الشعري الجديد في العالم قويا في تلك الفترة, كان هو دافعا لشعراء مصر والعالم العربي ليبقوا صامدين أمام الانتقادات الحادة من أنصار القديم, ويذكر أن الشيخ محمد الغزالي – رحمة الله عليه – حين زار السعودية في تلك الفترة حذر الشعراء السعوديين من الشعر الجديد, واعتبره مؤامرة على اللغة العربية.
لا بأس أن يختلف الإنسان مع الشاعر, لكن أن يحمل القضية أكبر من حجمها والخلاف فوق مستواه الطبيعي؛ فالقضية ليست في الدين القضية في طبيعة الإنسان وحركة حياته, التي لا تنفصل عن الحركة الشعرية.