حين ذهبت إلي معرض القاهرة الدولي للكتاب أول مرة عام 2002 اشتريت – ضمن الكتب التي اشتريتها – كتابًا قاني اللون, يضمُّ بين دفتيه مجموعة قصصية اسمها: (ديروط الشريف), ورواية غير تقليدية اسمها: (ملف نعمان عبد الحافظ), وفوجئت عند قراءتي للكتاب أنني لا أستطيع التوقف عن القراءة, متعة ما بعدها متعة؛ لغة عربية رصينة, وأسلوب قوي وشائق, وسخرية لاذعة, تظهر مدى الجهل والتخلف, والقيم السائدة التي عفا عليها الزمن في قرية محمد مستجاب في جنوب مصر (ديروط الشريف), من الثأر, والدجل, والشعوذة, وافتقار الجميع إلي التفكير المنطقي؛ حيث ترقى بعض التصورات أحيانًا إلى مستوى اللامعقول.
"إنه الرابع من آل مستجاب": عمل آخر قرأته لمحمد مستجاب, كما تابعت مقاله منذ 2002م, بمجلة العربي الكويتي الشهرية, وبعد صدور جريدة الأسبوع صار له مقال تحت عنوان: "حرق الدم ".
كان محمد مستجاب أحد سبعة من المثقفين مصريين ساهموا في تأسيس الحركة المصرية من أجل التغير (كفاية), والتي أصبحت – منذ عام 2005 – قائدة التطور الثوري في الشارع, ولكن توفى قبل أن يرى نجاح فكرتهم في عام 2011 مع اندلاع ثورة يناير؛ حيث كان يراهن المثقفون السبعة علي الجماهير في حركتها ضد النظام الحاكم آنذاك.
تمتعت كتابات محمد مستجاب بحس فكاهي وساخر لم يتوفر لغيره, وفي الوقت نفسه حافظ علي قدراته الخاصة في اللغة العربية, ومهاراته العالية في التلاعب بالألفاظ, واستخدام تقنية الحكي الحميم في سرد الأحداث؛ فيجعل القارئ يتحد مع النص ويبكي ويضحك في الآن نفسه.
وتعرض محمد مستجاب لما يتعرض له أغلب الكتاب المصريين والعرب من ظروف اقتصادية سيئة, وصعود المال فوق الثقافة, وفساد المؤسسات الثقافية, وتدني الوعي الجماهيري تجاه أهمية القراءة والثقافة.
أصيب محمد مستجاب بمرض السرطان, وكان السبب المباشر في وفاته, ولكن كتاباته بقيت حتى الآن تمثل لدى شباب الكتاب, والبقية الباقية من أبناء جيله ثورة على الطرق التقليدية للسرد, وعودة إلى منابع اللغة الحية, ونقدًا بناءً للتخلف والفساد والاستبداد.
ملف نعمان عبد الحافظ:
إذا تحدثنا عن نعمان عبد الحافظ فنقول: إنه شخصية ساخرة, وقد عمل محمد مستجاب على رسم ملامحها, بما يكفل توضيح صور التخلف والجهل والانحطاط الاجتماعي والفطرة, نشأ نعمان عبد الحافظ في الظلام وعاش فيه, وخلال الرواية تتشابك العلاقات بين نعمان عبد الحافظ والشخصيات والبيئة والطبيعة الحية.
مستجاب تكلَّم من خلال الرواية عن الدجل والشعوذة, والمشكلات والقضايا التي عاشها صعيد مصر سنوات طوال, لم تكن سنوات أخرى من التنوير قادرة على إزالتها دفعة واحدة.
إنه الرابع من آل مستجاب:
لم يتوفر على موقع good reads للكاتب محمد مستجاب سوى هذين الكتابين, بما يعني شهرتهما الكبيرة, وقد عرض في الكتاب الثاني (إنه الرابع من آل مستجاب) لعائلته الكبيرة, التي كلما قرأت قصصه عنها غرقت في موجة من الضحك, والبكاء الهستيري.