شهدت العقود الثلاثة الأخيرة من القرن التاسع عشر في مصر عودة الروح القديمة وإحياءً للشعر العربي؛ فقد تزعم البارودي حركة تجديدية تجنح للعودة إلى منابع الشعر الأصلية بتخليصه من المبالغات والصنعة المبتذلة, والتكلف الشديد الذي شابه خلال عصور الجمود والانحطاط في العصرين المملوكي والعثماني.
وولد أحمد شوقي في معية الخديوي, واتجه هذا النهج الجديد, وكانت موهبته قوية جدًّا, ثم انضم لهم مجموعة من علماء الأزهر وخريجوه وحافظ إبراهيم, ليكتبوا شعرًا عربيًّا رصينًا, يشبه في قوته وجدته فحولة الشعر العربي في العصر العباسي إبان ازدهاره الكبير على يد أبي تمام والمتنبي والبحتري, خالصًا من الصنعة ومليئًا بالحكمة والعاطفة.
شارك هذا الشعر الذي كتبه هذا الجيل وأبناء هذه المدرسة التي سميت بالكلاسيكية في إعادة تصدير الذائقة العربية القديمة, ولم يراعوا العصر ولا الثقافات الأخرى التي أثرت في الشعر وتأثرت به, ما عدا أحمد شوقي الذي ابتكر المسرح الشعري وبويع أميرًا للشعراء.
برز في مواجهة هذه المدرسة ثلاثة أدباء شباب ينعون على هذه المدرسة التمسك بالتقاليد القديمة للقصيدة العربية من حيث:
- البدء بالتشبيب أو البكاء على الأطلال.
- وحدة القافية والروي.
- تعدد الموضوعات داخل القصيدة الواحدة؛ مما يجعلها ضعيفة النسج والخلق.
- تمسكها بشعر المناسبات من مدح وهجاء وفخر وغير ذلك.
كان الأدباء الثلاثة قد تأثروا بالمدرسة الإنجليزية والألمانية في الأدب شعرًا ونثرًا, حتى إنهم اعترفوا بتأثرهم بشعراء بعينهم؛ مثل تأثر شكري بالأديب الألماني جوته, وتأثر العقاد بالشاعر الإنجليزي اللورد بيرون, وتميزوا بسعة اطلاعهم وإجادتهم للإنجليزية, زد على ذلك أن عبدالرحمن شكري كان متخصصًا في اللغة الإنجليزية, وابتعث إلى إنجلترا لاستكمال دراسته في الأدب الإنجليزي؛ فاعتبر رائد هذه المدرسة, وقد اعترف صاحباه – حتى بعد اختلافهما معه فيما بعد – أنهما قد تأثر به, وأنه أستاذ هذه المدرسة.
وقد سميت المدرسة بالديوان نسبة إلى كتاب مشترك أصدره كل من العقاد والمازني سمياه (الديوان), حملا فيه على أنصار القديم والمدرسة الكلاسيكية, وهم قد سردوا فيه حججهم وتعصبوا لرأيهم إلى حد بعيد.
ورغم الإضافات التي أثرى بها هؤلاء الثلاثة حركة الأدب في مطلع القرن العشرين والنصف الأول منه فإنهم قد سقطوا فيما اعتبروه أخطاء المدرسة القديمة, فلم يوفقوا في كثير من قصائدهم للوحدة العضوية التي نجح فيها شعراء متأخرون عنهم.
ورغم النهاية المأساوية لعبد الرحمن شكري وبقاء العقاد وحده مدافعًا عن المدرسة, فإنها تعتبر ذات أثر كبير مع مدرسة أبوللو والمهجر في إنعاش حركة الشعر, وإيصاله إلى تطوره الكبير في وقتنا المعاصر.
وكذلك رغم دعوتهم إلى الاعتماد على العقل, وأنه أساس الشعر وأن العاطفة الجياشة لا مكان لها فيه, فإنهم فشلوا في تصوير الشعر كما أرادوا أو كما قعدوا له, وانتهى الأمر بالعقاد للتفرغ للبحث والتأمل والكتابة الفلسفية, ثم الإسلاميات في نهاية عمره, وعد قطبًا من أقطاب العبقرية في مصر حتى وفاته عام 1964م.