مقهى ريش
مقهى ريش
في عام 1908 بُنِيَ مقهى ريش في ميدان سليمان باشا الفرنساوي, وانتقل من مالك أجنبي إلى آخر, واستقر أخيرًا ملكا لمجدي ميخائيل (أول وآخر الملاك المصريين له) حتى الآن.
يعد مقهى ريش – الذي بنى على طراز كافيه ريش في فرنسا باريس – أحد معالم القاهرة الثقافية, وينتمي إلى الطراز الأوربي في المعمار, كما أن مالكه شارك في طباعة المنشورات المناهضة للاحتلال الإنجليزي؛ ممَّا جعله أحد مراكز الثورة الشعبية في عام 1919, وقد وُجدت طابعة منشورات في أحد جدران الصالون بعد زلزال 1992, وسرداب يقود إلى مكان كانت تطبع فيه المنشورات؛ ممَّا يدل على الدور الكبير لمقهى ريش في الحياة السياسية.
بعد ثورة 1952م أصبح مقهى ريش مرتعًا لرجال المخابرات والأمن والصحفيين؛ لما يكتظ فيه من المثقفين والأدباء, وعُقد به صالون نجيب محفوظ عصر كل يوم جمعة, بعد أن أُغلق صالونه في الأوبرا.
خرجت ثورة الأدباء من مقهى ريش عام 1972 في اعقاب اغتيال الأديب الفلسطيني غسان كنفاني؛ ممَّا جعل سلطات الأمن المصرية تغلق المقهى في عهد الرئيس السادات لعدة سنوات (الجدير بالذكر أن السنوات الأخيرة من حكم السادات شهدت مظاهر احتجاج شعبي, وسخط من النخبة مع توجه السادات لتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل).
أقدم مجدى ميخائيل على إعادة افتتاح مقهى ريش بعد ذلك, في عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك؛ مما جعل المقهى يعود إلى استقطاب الأدباء والمثقفين مرة أخرى, لكن مجدي ميخائيل قام ببعض التعديلات على شكل المقهى؛ حتى يتخلص من ذاكرة الاضطهاد السياسي, ويراوغ الأزمات السياسية.
من أشهر جارسونات مقهى ريش فلفل, الذي تحتل صورته الكبيرة واجهة المقهى, هذا جعله أشهر جارسونات مصر, ويسمى القدوة؛ لأنه ظل لخمسين عامًا يعمل بالمقهى, ويحمل معه أجندة, ويسجل فيه طلبات الزبائن التي لم تدفع ثمن المشروبات (أغلب الأدباء كانوا يعانون من شظف العيش والضوائق المالية؛ لأنهم في الغالب آتون من طبقات فقيرة أو شديدة الفقر).
الجدير بالذكر أن مقهى ريش ظل طوال العهد الجمهوري حاضنًا للأدباء والشعراء, وأصبح ضمن ذاكرة وأعمال الأدباء من أمثال نجيب سرور, الذي كتب بروتوكولات حكماء ريش, في إشارة إلى رواد المقهى.
كما أن ظاهرة إمام نجم, التي تشير إلى ارتباط المصري الشيخ إمام مع الشاعر أحمد فؤاد نجم الناقد الساخر بأشعاره العامية, خرجت من رحم مقهى ريش.
في تقرير للبي بي سي, أو هيئة التليفزيون والإذاعة البريطانية مؤخرًا تناولت الكاميرا, والتعليق الصوتي مقهى ريش, على اعتباره أحد معالم القاهرة الثقافية, وربما كان السبب في بقاء مقهى ريش إلى الآن علمًا على القاهرة الثقافية هو ارتباطه تاريخيا بالقاهرة الإسماعيلية, التي بناها الخديوي إسماعيل على الطراز الأوربي وأنفق عليها ميزانية ضخمة, والتي تعد أجمل ذكريات ومآثر هذا العصر, وفي أحد طوابق عماراتها الضخمة يستقر مقهى ريش.
لاتنسى الإشتراك في القائمة البريدية لجامعة المنح للتعليم الإلكتروني .