كم مرة دخلت إلى حجرة البث التليفزيوني في المدرسة؟
حجرة البث التليفزيوني في المدارس تمثل لبعض التلاميذ حلما، وكانت إلى وقت قريب شيئا غامضا وغريبا أن يوجد تليفزيون في المدارس، ولكن المبهج أن الأجيال الصغيرة من أبناء مدارسنا تعتبره أمرًا طبيعيا، هذا مضحك، لكن كم مرة دخلت كطالب إلى حجرة البث التليفزيوني في المدرسة؟
أنا شخصيا – وخلال فترة دراستي, التي امتدت خمسة عشر عاما – لم أحصل على فرصة الدخول إلى حجرة البث التليفزيوني سوى مرة واحدة، ولا أزال إلى الآن أذكرها وأذكر موضوع الدرس، ومدى استفادتي منه؛ فقد كان عبارة عن حلقة من مسلسل عن النحو العربي، وكان موضوع الحلقة طالبًا مهووسًا بحروف الجر، وكُلَّما كلمه أحد من الطلاب زملائه, أو معلميه بجملة فيها حرف جر يفاجئه بعدم الإجابة على سؤاله أو التفاعل معه، وإنما يقول له: الباء حرف جر يفيد السببية، إلى: حرف جر يفيد انتهاء الغاية، من: حرف جر يفيد ابتداء الغاية، في: حرف جر يفيد الظرفية، الكاف: حرف جر يفيد التشبيه, وهكذا يستمر الطالب في هوسه بحروف الجر، وقد مر على هذه الحلقة التي شاهدتها قرابة خمسة عشر عاما أخرى بعد المرحلة الثانوية؟ ولكن لعظم الفائدة التي وصلت إليها عن طريق حجرة البث التليفزيوني لم أنس ذلك.
منذ اختراع التليفزيون، واستحواذه على عقول وقلوب البشر, متى رأوه أو وجدوه، ومع تطور فن التمثيل تعلقت قلوب الناس به، ولم يعدْ فكاك من تضييع الملايين أو المليارات من البشر الساعات الطوال لمتابعة برامجه, ومسلسلاته, وأفلامه, ومن هؤلاء طلاب المدارس، الدين يستهلكون كما هائلا من أفلام الكارتون, وأفلام الحركة والرعب على مدار سني الطفولة، ومن هنا أدرك المهتمون والخبراء في التعليم مدى تأثير البث التليفزيوني على طلاب المدارس؛ فاتجهوا إلى إلحاقه ضمن الوسائل التعليمية، وأصبح بالفعل من أكثر الوسائل التعليمية تأثيرًا.
اكبر دليل على ذلك تجربتي الشخصية؛ حيث عملت بعد ذلك معلما للغة العربية، واستفدت في طريقة شرحي من طريقة التمثيل والفن في شرحي, وأسلوب تدريسي للمادة, ولكن هناك معوقات تقف أمام حجرة البث التليفزيوني في المدارس العربية؛ منها:
– عدم توفر البنية التحتية من مدارس صممت على الطراز الحديث توفر حجرة خاصة بالبث التليفزيوني, ولا يعول على مدارس الخليج في ذلك؛ فالإمكانات الاقتصادية مرتفعة هناك ومنخفضة في العراق ومصر ودول المغرب العربي, ومنعدمة في الصومال وسوريا واليمن.
– انقطاع التيار الكهربي بشكل مستمر أو مؤقت.
– بعض القائمين على العملية التعليمية يعتبرون حجرة البث التليفزيوني غير ذات جدوى، وليست مهمة أو كافية للتحصيل العلمي، وهؤلاء ينتمون للمعسكر المتخلف القديم الذي يحارب الإبداع والابتكار.
– انخفاض الوعي المجتمعي بقيمة التنويع في طرق التدريس، وعدم اعتراف بعض أولياء الأمور أنفسهم بجدوى البث التليفزيوني في الارتقاء بالعملية التعليمية، مع أنهم يلمسون بأنفسهم استنزاف أبنائهم الطلاب لأعمارهم, وسني طفولتهم أمام أفلام الكارتون والرعب والخيال العلمي والدراما المنحرفة، ويتركون للقنوات غير المسؤولة حرية تغذية عقول وقلوب أبنائهم بقيم العنف, والتطرف, والعري, والعقائد الفاسدة دون رقيب.
أيها الطلاب الأعزاء, أيها المعلمون المبجلون أسألكم سؤالا واحدًا, أو أترك الإجابة لكم: كم مرة دخلتم إلى حجرة البث التليفزيوني؟