دراسات إسلامية

الضرر المعنوي لتوجيه الاتهام

حق المتهم في المطالبة بالتعويض جراء ما لحق به من ضرر معنوي

الضرر المعنوي:

كل إنسان يوجه إليه اتهام سواء كان مذنباً أو بريئاً من التهمة يجد في نفسه معاناة من توجيه التهمة له، إلا أن الضرر يتفاقم والمعاناة تتعاظم عندما يكون المتهم بريئاً، وجراء ذلك قد يمر المتهم بأحوال صحية ونفسية عصبية قد توصله للإصابة بالأمراض الصحية أو النفسية الخطيرة والمزمنة، والوقائع بالسجون تشهد لهذا من إصابة بعض المتهمين بالأمراض نتيجة حجزهم على ذمة التحقيق، والحد من حركتهم وتقييد حرياتهم وتشويه صورتهم.

أما على المستوى الاجتماعي فإن محيط المتهم العائلي والمجتمعي سيتأثر حتما بما يتعرض له المتهم، وسيخوض الناس في الحديث عن المتهم وتهمته بين مدافع عنه ومهاجم عليه، يعلم بالأمر أو لا يعلم وإنما وجد الناس يقولون قولا فردده.

وفي ظل العولمة الحديثة قد تصل قضية المتهم لوسائل الإعلام المحلية، وقد يتم تدويل القضية حتى على المستوى الإعلام العالمي، لا سيما إذا كانت التهمة من قضايا الرأي العام التي تهم أوساط المجتمع لنوعية التهمة أو خصوصية المتهم كالوجهاء والأعيان ورجال الدولة والأعمال.

وللأسف فإن كل ذلك الضغط المجتمعي المختلف الأطياف يعود بانعكاس سلبي على نفسية المتهم وأسرته مما يزيد الأمر سوءاً.

ولأهمية هذا الجانب ولحماية سمعة الناس والحرص على عدم تشويه صورتهم حذر الشارع الحكيم من تهمة الناس بلا دليل، وسنذكر بعضا من أدلة تحريم وتجريم هذا الفعل وترتيب العقاب الدنيوي والأخروي عليه:

الدليل الأول: من القرآن الكريم.

قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور: 4)، وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النور: 23).

"استعار الله لفظ الرمي لتشنيع تهمة الناس في أعراضهم وسمى المتهم محصنا وغافلا تأكيدا على أن الأصل في الناس السلامة وبراءة الذمة، وطالب من قام بالاتهام بإقامة البينة وهي أربعة شهداء على الفعل وهو الحد الأعلى للشهادة؛ وذلك لبيان خطورة التهمة، فإن لم يقيموا البينة انعكس الأمر عليهم فأصبحوا هم المتهمين، وثبت في ذمتهم حقان: حق لله تعالى لاتهامهم الناس بالباطل وظلمهم/ وحق للعبيد لتشويه سمعتهم وطعنهم في أعراضهم، وقرر عليهم نتيجة لذلك عقوبتان:

العقوبة الدنيوية وهي:

أولاً: لعنهم في الدنيا ووصمهم بالفسوق وهو تجاوز الحد في الفجور، وعدم قبول شهادتهم إن لم يتوبوا من ذلك، وهذا عقاب معنوي جراء ما ألحقوه من ضرر معنوي بالمتهم فإن الجزاء من جنس العمل.

وثانياً: جلدهم ثمانين جلدة حدا من حدود الله لا يقبل الزيادة ولا النقص، وهذا عقاب جسدي لتأديبهم وضمان عدم عودتهم لهذا الفعل الشنيع.

العقوبة الأخروية:

وهي لعنهم في الآخرة، وتوعدهم بالعذاب العظيم فيها.

الدليل الثاني: أحاديث من السنة النبوية:

منها: ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم برد اعتبار المتهم بالزنا عندما ظهر أن الزاني شخص آخر فيعتذر منه، وذلك عندما خرجت امرأة تريد الصلاة فتلقاها رجل فقضى حاجته منها فصاحت وانطلق، فمر عليها رجل فقالت: إن ذاك فعل بي كذا وكذا، ومرت عصابة من المهاجرين، فقالت: إن الرجل فعل بي كذا وكذا، فانطلقوا، فأخذوا الرجل الذي ظنت أنه وقع عليها فأتوها به، فقالت: نعم هو هذا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فلما أمر به قام صاحبها الذي وقع عليها، فقال: يا رسول الله أنا صاحبها، فقال لها: "اذهبي فقد غفر الله لك "وقال للرجل قولا حسناً، وقال للرجل الذي وقع عليها: ارجموه".

فلما انتفت التهمة عن ذلك الرجل الذي أتهم بالزنا رد له اعتباره بالقول الحسن الذي له أثر على نفسية المتهم.

وكذلك ما ورد عن عراك بن مالك قال: "أقل رجلان من بني غفار حتى نزلا فنزل بضجان – من مياه المدينة – وعنده ناس من غطفان عندهم ظهر لهم، فأصبح الغطفانيون وقد أظلوا بعيرين من إبلهم، فأتهموا الغفاريين، فأقبلوا بهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكروا له أمرهم فحبس أحد الغفاريين وقال للآخر: "أذهب فالتمس"، فلم يكن إلا يسير حتى جاء بهما، فقال النبي: صلى الله عليه وسلم لأحد الغفاريين: حسبت أنه قال للحبيس: "استغفر لي" فقال: غفر الله لك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولك وقتلك في سبيله"، قال: فقتل يوم اليمامة.

ووجه الدلالة:

أن الرجل حبس بتهمة ثم ظهرت براءته، فأطلقه النبي صلى الله عليه وسلم وعوضه بدعائه له بالشهادة في سبيل الله، وأعظم بهذا الدعاء النبوي وبهذه الشهادة ذات المكانة العظيمة عند الله تعالى، قال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران، 169).

وفي قصة بني أبيرق حيث قالوا: يا نبي الله إن صاحبنا بريء، وإن سارق الدرع فلان وقد أحطنا بذلك علماً فأعذر صاحبنا، على رؤوس الناس، وجادل عنه فإنه إلا يعصمه الله بك يهلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرأه وعذره على رؤوس الناس.

والفقهاء على أن التهمة المسيئة بلا دليل من موجبات التعزير، كالسب والشتم والقذف فيما دون الوطء، وذلك حماية لأعراض الناس وردعا للمعتدي، وقد روي عن أبي حنيفة فيمن قال لغيره: يا فاسق، يا لص، فإن كان من أهل الصلاح ولا يعرف بذلك فعلى القاذف التعزير، وقال القرافي: "إن قال يا سارق نكل أو قال سرق متاعي والمقول فيه يتهم فلا شيء عليه وإلا نكل وإن ناداه يا شارب الخمر ونحوه نكل ويا برون أو يا حمار أو بما يؤذيه نكل".

 

noga_moga

انا كاتبة مقالات سابقة في مجالات عديدة وقد وجدت موقع جامعة المنح الالكتروني وقد اعجبتني فكرته في لم شمل العديد من الاقسام في مكان واحد من اجل تقديم خدمات تعليميه هادفه متميزة لذلك قمت بالمشاركة لتقديم ما استطيع من خدمات تفيد الجميع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى