النشر الورقي
بدأت الكتابة لتسجيل الأحداث التاريخية والمراسلات الملكية, في بداية الأمر ظهرت الكتب والمؤلفات والقراطيس المنسوخة بخط اليد لتتسع دائرة المعرفة تدريجيًّا وتبنى المكتبات, ولكنها كانت تسيل أحبارها تحت وطأة الأمطار وفي مياه دجلة تحت حوافر خيول التتار, ولا تصمد للزمن إلا المخطوطات التي كتبت على أنواع معينة من الورق (البردي وغيره) الذي يواجه الظروف الصعبة والعوامل الجوية. بعد اختراع الطباعة ظهر علم النشر وفن الطباعة, وأصبح الكتاب يمر بمراحل كثيرة حتى يصل بين يدي القارئ, وأصبح من السهل أن تتوفر منه نسخ عديدة, وكثرت الكتب المطبوعة واتسعت دائرة النشر, وظهر مصطلح دار النشر, وتعقد الأمر حين تطورت وسائل النقل, وانتقلت المعرفة والكتب عبر البحار والأجواء, وأصبح في كل قطر دور نشر مسؤولة عن نشر الثقافة والمعرفة, وإتاحة الفرص للكتاب والمؤلفين والأدباء والعلماء لنشر إنتاجهم. أصبحت هناك مؤسسات نشر ضخمة منذ القرن التاسع عشر؛ فهناك بنجوين وراندوم هاوس وغيرها, وأصبحت قلاع النشر جزءًا من آليات الإعلام المختلفة التي تغذي الرأي العام, وتعالج القضايا المصيرية, حتى نشر أحد الصحفيين الأمريكيين كتابًا أفضى إلى فضيحة “وترجيت” التي استقال على إثرها الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون. والولايات المتحدة تحتل الصدارة في عدد دور النشر, ومدينتها نيويورك لها نصيب الأسد في ذلك, والكتب المنشورة بالإنجليزية تحتل أكثر من 90 % من الكتب المنشورة في مجالات المعرفة والأدب على مستوى العالم. هناك أزمة يعيشها الوطن العربي في مجال النشر, ولنفهم طبيعة الأزمة علينا أن نفهم سوق الكتب:
أولا: سوق الكتب كأي سوق يبنى بداية على المنتج (الكتاب) والعملاء (القراء), عدد القراء يوازي عدد الكتب؛ فإذا زاد عدد القراء على عدد النسخ المطروحة في السوق؛ فهذا يعني نشاطًا رابحًا ومستقبلا طيبًَا للمعرفة؛ فإن المطابع سوف تستجيب للطلب, وتطبع نسخًا جديدة, وسوف يربح الناشرون والكتاب على السواء, وعليه فيمكن فهم معضلة النشر في العالم العربي؛ فعدد القراء قليل جدًّا, وبالتالي تطبع دور النشر عددًا يتناسب مع عدد القراء الضئيل, وهو ما يؤدي إلى إحباط الكثيرين وإفلاسهم.. هنا يلزم التنويه والفهم المباشر لحقيقة الأمر (أنت لن تربح من النشر الورقي كناشر إلا بعد عامين على الأقل من بدء شركتك فعليًّا, كما أنك تحتاج إلى رأس مال ضخم). ولا ينجح الأمر إلا بترجمة كتب التنمية البشرية التي يقبل عليها الخريجون والباحثون عن الوظائف حتى هؤلاء فإنهم يقبلون على الدورات لمتابعة دورات التوظيف والمقالات التي تخصه على الإنترنت .. الناشرون يربحون في الخارج والعالم المتحضر أكثر من أي مكان آخر, لكن الكتب تظل أقل ربحًا من المنتجات الأساسية التي لا غنى عنها كالملابس وألعاب الأطفال والهدايا وغيرها.. ولكن الناشرين يقدمون المعرفة ولذا فإنهم يتمتعون باحترام المجتمع, إنهم نادرًا ما يلتفتون إلى الربح السريع؛ فقد قامت كيانات عملاقة واستقرت أسواقها ودعمت وتنوع إنتاجها, وبعضها تخصص في ذلك. عدد قليل من دور النشر في العالم العربي يحظى بالاستقرار, ويحترف البعض النشر الممنهج منذ الستينات, على رأسهم إبراهيم المعلم صاحب دار الشروق رئيس اتحاد الناشرين العرب, وبعض الناشرين في القاهرة وبيروت, لكنهم نجحوا في فتح أسواق في العالم الناطق بالإنجليزية والمعارض الدولية في الدول التي تتمتع بقاعدة عريضة من القراء. هناك مشكلة أخرى تواجه النشر في العالم العربي, وهي تدني الدخول وارتفاع سعر الكتاب؛ فأصبح المواطن يقدم حاجاته الأساسية من الغذاء والكساء والدواء على المعرفة والثقافة. استكملوا معي البحث عن حلول غير تقليدية للربح من النشر من خلال مقالاتي المتتابعة على موقع جامعة المنح.
(انتظروا: الكتاب الإليكتروني Ebook وغيرها)
جميع الحقوق محفوظة لجامعة المنح للتعليم الإلكتروني
إشترك في قائمتنا البريدية