الكلدراسات إسلاميةمكتبة جامعة المنح

سيبويه وأحمد شلبي ..مأساة عالمين

سيبويه وأحمد شلبي ..مأساة عالمين

قضى شابان يعدان من كبار العلماء في النظر والعقل نتيجة اكتئاب حاد, رغم أنهما عالمان ماهران في تخصصهما..

أولهما سيد نحاة البصر وعالم النحو العربي البارع (سيبويهِ) المتوفى عام 180 هـ وهو في مطلع الثلاثينات وريعان الشباب, كان سيبويهِ عالمًا لا يبارى في القياس والحفظ وسرعة البديهة والمعرفة بالنحو والإعراب, مع أنه فارسي الأصل,ولهذا العالم الكبير مأساة أفضت أو كانت سببًا في وفاته المبكرة, تقول القصة:

قصد إمام العربية في البصرة بغداد لعله يلتقي هناك بالخليفة فيحظى عنده بشيء من الجاه فقد كان سيبويه فقيرًا شديد الفقر, وعندما وصل إلى بغداد وجد أن صيته قد سبقه إلى هناك, فحظي بكل الحفاوة والتكريم من وزير الرشيد يحيى بن خالد البرمكي.

 وبعد أن استقر به المقام في بغداد سأل الوزير أن يجمع بينه وبين الكسائي شيخ الكوفيين, فنصحه الوزير أن لا يفعل لتوافر أنصار الكسائي وقلة أنصار سيبويه, لكن سيبويه كان متمكنًا من علمه وفهمه فألح على الوزير إلا أن يفعل، وأجتمع بالكسائي عند البرامكة، أو في دار الرشيد أو في مجلس الأمين على خلاف في ذلك ، فلقيه قبله أصحاب الكسائي ، ومنهم الأحمر، وهشام، والفراء؛ فناظروه وساءلوه قبل أن يلقى الكسائي، كأنما فعلوا ذلك ليخضدوا شوكته قبل لقائه بالكسائي، ثم واجه الكسائي وناظره في المسألة الزنبورية المعروفة وهي:

(كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور، فإذا هو هي)

أو 
(كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور ، فإذا هو إياها)

وقد أجاد سيبويه على الكسائي في عرض هذه المسألة وملابساتها بما لم يدع مقالاً لقائل. 

ويقال إن سيبويه أخفق في هذه المناظرة إخفاقاً مبلغ الظن أن الكوفيين افتعلوه، إذ لم يكن إخفاقًا علميًّا وإنما هو إخفاق مظاهرة علمية ليس لها وجه من الحق.

ومهما يكن فإن البرمكي حفظ لسيبويه حقه آخرًا كما حفظ له أولا، فأجازه بعد تلك المناظرة بعشرة آلاف درهم، من تلقاء نفسه، أو بإيعاز من الكسائي كما تذكر كتب التراجم, ثم انتقل بعدها إلى الأهواز فمات فيها غمًّا من جراء تلك المناظرة.

عالم آخر في الطبيعيات والميكانيكا يدعى أحمد شلبي عاش في تركيا في نهاية عصر الدولة العثمانية في الأستانة العاصمة التي تسمى إسطنبول حاليًا, وهي مدينة قيصر (القسطنطينية القديمة), وتقع على طرفي مضيق البوسفور الذي يفصل البحرين المتوسط والأسود.

نجح هذا الشاب الذي مات تقريبًا في سن سيبويهِ نفسه في صنع آلة للطيران, وألقى بنفسه فوق البوسفور الذي يبلغ اتساعه ميلين, وحلق فوقه وطار حتى عبر إلى الطرف الآسيوي منه دون أن يسقط, وكان الناس يلقبونه بـ (هزارفان), ومعناه بالفارسية غزير العلم.

وقد جنت عليه محاولته تلك ونجاحه فيها الويلات؛ فقد سعت بطانة السوء من علماء السلطان والمنافين لدى السلطان العثماني مراد الرابع, واتهموه بالإلحاد والأمور المنكرة في الشرع, وكان تأثير ذلك عليه شديدًا؛ فكان مصيره النفي إلى تونس في شمال إفريقيا؛ حيث مات هناك مكتئبًا وهو في ريعان الشباب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى