كم مرة شاهدت مسرحية مدرسة المشاغبين؟
مدرسة المشاغبين مسرحية كوميدية مصرية، أدمن الملايين من المصريين مشاهدتها لعقود في النصف الثاني من القرن العشرين، رغم ظهور الكثير من الأعمال الفنية والمسرحيات الكوميدية التي لقيت شهرة كبيرة، فإن مدرسة المشاغبين بقيت ذات شهرة، عبر الأقوال والمشاهد التي كررها المصريون، خصوصًا طلاب الثانوية العامة.
لم تناقشْ مدرسة المشاغبين – على حد علمي – قضية أساسية في التعليم، وإنما سردت مشاهد تتعلق بتعامل طلاب فاشلين في الثانوية العامة مع مدرسة شابة أساؤوا إليها، وأروها العذاب ألوانا، وهذا إن كان يحدث بالفعل فترة السبعينات وقتها أو الستينات؛ فإن الأجيال التالية – والتي عاصرت عرض المسرحية على التليفزيون المصري, أو في المسارح – قلدت الفنانين, سعيد صالح, وعادل إمام تحديدًا على نطاق واسع، وقد أدى ذلك إلى حالة من الفوضى المزرية في المدارس المصرية في أعقاب تلك الموجة، خصوصا أن طرق تلقي الثقافة كانت تقتصر على السينما والمسرح والتليفزيون، بعد أن تراجع الكتاب للخلف، أو حظيت الثلاث الأولى بالشهرة الكبيرة، وكان للمسرح والتليفزيون نصيب الأسد، بعد انتشار وتعميم شبكات الكهرباء في جميع أنحاء مصر.
مدرسة المشاغبين مسرحية في فصل؛ أي أن مكانها الفصل المدرسي، وسبورة وعصا تشير؛ أي أن كل شيء كان جاهزًا في المسرحية لتصدير وعي وتربية وتنشئة من نوع خاص، ولا أظن أن الفنانين ولا القائمين على هذا العمل الفني كانوا يقصدون, أو يسعون إلى التداعيات التي طالت بنية النظام التعليمي، وكسرت هيبة المعلم، وغير واحد من وجهاء القوم بدأ يعتد بالأمر, ثم أصبح ملموسا للمعلمين في المدارس الثانوية، بل والإعدادية ما سببته مدرسة المشاغبين من ترسيخ لعدة مفاهيم أبرزها:
- كسر هيبة المعلم، وتضييع القدوة, ووأد القيمة.
- الاستهتار بالمعرفة، وأكبر دليل على ذلك رد الفنان سعيد صالح – رحمه الله – على المعلمة سهير البابلي في المسرحية: "المنطق يعني واحد يضرب واحد على دماغه يقع على الأرض ميحطش منطق", وهكذا ضاعت الأهداف والغايات التي وضعت لأجلها المدارس, وأسس العملية التعليمية من الأساس, ونقل المعارف والقيم.
- تقدير الذات؛ حيث يسعى الطلاب، طلاب المدارس، حتى أولئك الذين لم يشاهدوا المسرحية، في مصر الفضائيات، على تقليد مواقف وقيم غير ذات بالٍ، ولا طائل من ورائها، وعادة لا تكون هناك عداوة شخصية، أو مواقف سيئة يتسبب فيها المعلم، لتكون مبررًا لخلق حالة من الفوضى في الفصل، بعد أن كان الأمر لا يتخطى خلق حالة من الشغب.
- نشر فلسفة التحرش: تجاوز الأمر لأول مرة تقريبا على المسرح المصري مرحلة الغزل إلى التحرش البصري؛ مما حفز الأجيال المتعاقبة من الطلاب على استنساخ الحالة، واحتكار طرق أخرى، كان لها دور في الوصول إلى الحالة التي قد يكون جيلنا أحد ممثليها، طبعا بعد تخطينا المرحلة الثانوية العامة، أصبحت ثقافة الجيل أكثر احتراما لزميلاته في الجامعة، خصوصا أن قوانين الجامعة أكثر صرامة، ولكن شبح مدرسة المشاغبين يظل يطارد سلوكياتنا وأحلامنا.
وشرح أمامنا الآن في المدارس والمعاهد النائية, حتى أصبحت مدارس الريف تشكو من تدني المستوى الأخلاقي, وتفشي القيم السابقة المستنكرة بين صفوف الطلاب، ترى: كم مرة شاهدت مسرحية مدرسة المشاغبين؟